جدتي (حياة)..الراعي الرسمي لي في هذه الدنيا !

جدتي اسمها (حياة) وهي إنسانة طيبة بسيطة ومحبة للحياة ، منذ نعومة أظافري وهي تملأ الدنيا من حولي وإن غابت عن عيني يوما لم تغب عن بالي أبدا ، جدتي (حياة) : اسم علي مسمي تجالسها فتجدها شاهدة صادقة علي النصف قرن الأخير في كافة نواحي الحياة. علي الجانب السياسي : لم تكن لجدتي اهتمامات سياسية بالغة لكنها تدلي دوما بصوتها في الانتخابات وتتابع نشرات الأخبار (عشان نعرف الدنيا جري فيها إيه؟) هكذا تقول ، وهي تعلق علي الظلم أو الاستبداد السياسي - في حكمة وفطرة صادقة - قائلة : "ربك يمهل ولايهمل" ثم تحكي لك عن عبد الناصر وحب الناس الجارف له وكيف كانت جنازته "ملهاش الوجود" ، أما السادات فتقول عنه ( الله يرحمه كان ناصح ) وقد شاهدت العرض العسكري الذي اغتيل فيه علي الهواء وحزنت عليه لأنهم (غدرو بيه). علي المستوي الرياضي : تعشق جدتي المنتخب الوطني وتتابع مبارياته ، تحب حسن شحاته وتقول عنه ( والنبي داطيب) - وبالمناسبة فهي أهلاوية جدا - وتعرف جيدا أبوتريكة وبركات والحضري وحسام وإبراهيم ..والجوهري طبعا ! ،وقد سعدت كثيرا بفوز المنتخب بكأس الأمم الأخيرة وخرجت لتشاهد فرحة الناس في الشوارع . على الجانب الديني : جدتي تحب ربها في المطلق فلا تميل لفكر جماعة معينة أو مدرسة دعوية بعينها بل تستمع لمحاضرات الأستاذ عمرو خالد وخطب الشيخ محمود المصري على السواء ، إنها تطيع ربها وتحافظ على صلاة فروضها وتعشق القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط ، ومؤخرا تابعت جدتي (حياة) قناة طيور الجنة .. أصلها بتحب العيال أوى! على المستوى الاجتماعي : جدتي (حياة) اجتماعية جداً ، وهى شاهدة على تغيرات المجتمع المصري وتشوهاته في الخمسين سنة الأخيرة ، لذلك فهي راويتي الخاصة تروى لي عن طيبة وأخلاق أهل الحارة في الستينات ، وتحكى ذكريات بورسعيد الباسلة حيث أنجبت خالي وأمي وعاشت أجمل سنوات عمرها قبل التهجير ، تحكى عن خطب عبد الناصر وعن حفلات الست وسهرات سينما عماد الدين مع جدي (رحمه الله). وبعيدا عن حكاياتها لي فإن جدتي تحب الأطفال عموما ، فتغمر بحنانها : إياد وزياد ومحسن وكريم وأحمد ومحمد وندى . . كل هؤلاء وغيرهم أطفال الحارة والأقارب والجيران . . تحبهم ويحبونها ، وكثيراً ما أراها تغدو أو تروح وأحد هؤلاء الأطفال يتعلق بيدها ، فهي تعلم جيداً أن الأطفال أحباب الله . دعوات جدتي تتردد في آذاني أينما كنت : ( ربنا ينجحك ) ( ربنا يوقفلك ولاد الحلال ) ( ربنا يسلك طريقك ويصلح مابين ايديك ) ، كما تجدها دوما - ويشهد الله على ذلك - تسعى للصلح بين المتخاصمين ، وتدعو له أو لها : ( ربنا يهديهالك يا ابني ) أو ( ربنا يهديهولك يا بنتي )، أقسم بالله أنها كانت تدعو لمن تعرفه ولمن لا تعرفه ، لذلك أطلب منك أن تدعو الله أن يتغمدها بواسع رحمته فقد اختل توازني بعد أن رحلت جدتي (حياة) فجأة عن الدنيا في مطلع هذا الشهر.